
ضوابط إعلان الصيغة التنفيذية وضرورة مراجعتها تحقيقاً للعدالة التنفيذية
يُعد إعلان السند التنفيذي مذيَّلاً بالصيغة التنفيذية أولى مقدمات التنفيذ الجبري، وهو إجراء جوهري لا يصح البدء في التنفيذ دونه، إذ نصت المادة 204 من قانون المرافعات الكويتي على أنه: ” يجب أن يسبق التنفيذ إعلان السند التنفيذي إلى المنفذ ضده (المدين) وفق أحكام هذا القانون…” كما نصت المادة (190/1) من ذات القانون على أنه:
” السند التنفيذي. لا يجوز التنفيذ الجبري إلا بسند تنفيذي اقتضاء لحق محقق الوجود ومعين المقدار وحال الأداء”.
وهذا يعني أن التنفيذ لا يُباشر إلا إذا توفر في الدين المراد التنفيذ من أجله شروط ثلاثة وهي:
- أن يكون محقق الوجود (أي ثابتاً يقيناً)
- معين المقدار (أي محددا كماً بدقة)
- حال الأداء (أي مستحق الأداء وقت التنفيذ، لا معلقاً على شرط أو مؤجلاً)
إذن التنفيذ المتوافق وصحيح القانون، لا يجب أن يبدأ إلا بعد اكتمال السند التنفيذي شكلاً ومضموناً، ويشمل ذلك إعلان السند التنفيذي إعلاناً قانونياً صحيحاً، لغرض إحاطة المدين المحكوم عليه بمضمون الحكم، وإتاحة الفرصة له لتنفيذه، وهذا يقتضي بالضرورة معرفة حقيقة الالتزام الواقع عليه.
وتكمن الغاية من إعلان السند التنفيذي في تمكين المحكوم عليه من الاطلاع على مضمون الحكم ومبادرته إلى تنفيذه طوعاً، توقياً لما قد يُتخذ ضده من إجراءات التنفيذ الجبري، التي قد تتسم في بعض صورها بالصرامة، لا سيما بعد إعادة العمل بنظام حبس المدين بموجب التعديل الأخير على قانون المرافعات.
غير أن الواقع العملي كشف عن قصور في آلية تحقيق هذه الغاية، حيث يُعلن الحكم مذيلاً بالصيغة التنفيذية للمحكوم عليه، قبل أن يتم احتساب المبالغ المقضي بها بشكل دقيق، بما يشمل المبلغ الأصلي، ومصروفات الدعوى، وأتعاب المحاماة (إن حُكم بها)، وهو ما يتعارض مع الغرض من هذا الإعلان.
فالمدين، حتى لو أراد الوفاء الطوعي، يواجه بعقبة مادية، حيث يعجز عن تحديد المبلغ المستحق عليه فعلياً تمهيداً لسداده، بل وإن افترضنا جدلاً أنه استطاع إلى ذلك سبيلاً، فلن يتمكن من إيداع المبلغ لإبراء ذمته، لأن عملية احتساب المبالغ كإجراء معتمد ينبغي أن يصدر عن الموظف المختص بإدارة التنفيذ، مما يفرغ إعلان الصيغة التنفيذية من وظيفته.
من هنا، فإن من الملائم – بل من الضروري – أن تُعيد إدارة التنفيذ النظر في ضوابط إعلان الصيغة التنفيذية، وأن يُضاف إليها شرط جوهري، يتمثل في قيام الباحث المختص باحتساب المبالغ المحكوم بها بدقة قبل المضي في إجراء الإعلان، وذلك بما يتفق مع روح القانون ومقاصده.
ولا تقف هذه المراجعة عند حدود تحسين الإجراءات الشكلية، بل تمس جوهر العدالة التنفيذية، إذ توازن بين حق الدائن في اقتضاء حقه، وحق المدين في تجنب الإضرار به، متى بادر إلى الوفاء الطوعي، كما أنها تسهم في الحد من اللجوء إلى إجراءات التنفيذ الجبري، مما يرفع عن كاهل موظفي إدارة التنفيذ والأجهزة المعاونة لها، العبء الذي يسببه اتخاذ إجراءات ضد مدينين كان يمكن تجنب اتخاذها، والأهم من ذلك ولا شك، تلافي ما يتبع هذه الإجراءات من تدابير قد تضر بالمدينين حسني النية، خصوصاً في ظل عودة نظام حبس المدين كوسيلة للإجبار على التنفيذ.
د. أحمد سعد العازمي
مستشار قانوني أول