Skip links

الجزاء القانوني لتخلف المساهم عن سداد قيمة الأسهم للشركة

الأخطاء التي شابت تعديلات اللائحة التنفيذية للقانون رقم 7 لسنة 2010، وكذلك القرار
رقم 2/2023 الصادر عن بورصة الكويت، حول آلية إعمال نص المادة 155 من القانون رقم 2016/1
 بشأن الشركات التجارية.

مقدمة

عالج المشرع في المادة ‎155‏ من قانون الشركات التجارية حالة نكول المكتتب في أسهم الشركة المساهمة بنوعيها عن تنفيذ التزامه التعاقدي بسداد كامل مقابل الاكتتاب للشركة مصدرة الأسهم، حيث أوجب المشرع على الشركة مصدرة الأسهم أن تعرض تلك الأسهم للبيع لاستيداء مــــــــــا هــــو مستــــــــحق لها من باقي مقابل الاكتتاب والمصروفات والفوائد، إن وفى ثمن البيـع جميـعَ ذلـك، وإلا عادت الشركة على المساهم بالباقي في ذمته المالية الشخصية.

وتفعيلاً لهذا النص، صدر عن هيئة أسواق المال الموقرة، القرار رقم 143/ 2023، بشأن بيع الأسهم غير المسددة بالكامل في البورصة، وكذلك صدر القرار رقم ‎2/2023 عن بورصة الكويت.

وذلك تفعيلاً لحكم المادة ‎١٥٥‏ من القانون رقم ‎1/2016‏ بشأن الشركات التجارية.

‏وحيث تلاحظ لنا من خلال الاطلاع على القرارين المشار إلبهما، خلوهما من معالجة قانونية لبعض الفرضيات العملية جائزة الحدوث.

كما انطوى القرار الصادر عن بورصة الكويت – إضافة لما تقدم – على بعض المخالفات لصحيح القانون. وهو المجمل الذي يمكن تفصيله على النحو التالي:

‏أولاً: خلا القراران المشار إليهما من بيان الوضع القانوني للأسهم غير المسدد كامل قيمتها خلال الفترة من وجوب بيعها وحتى إتمام البيع من حيث الحقوق المتولدة عنها كالحق في التصويت بموجها في الجمعيات العامة، وحق استخدامها في التعيين بمجلس إدارة الشركة المصدرة للأسهم، والحق في الأرباح المتولدة عنها، وكذلك الحق في التصرف فها بالبيع أو بترتيب أية حقوق عينية تبعية علها.

وهي مسالة قد تثير العديد من المشكلات العملية. ومن ثم لزم معالجها باللائحة التنفيذية للقانون 7/2010.

‏ثانيا: خلا القراران المشار إلهما من معالجة وضع الخلف الخاص للمكتتب الأول على تلك الأسهم، وذلك في حال تصرف ذلك المكتتب في تلك الأسهم بالتنازل عنها للغير قبل تمام سداد قيمة الاكتتاب فبها للشركة المصدرة.

‏ثالثا: انطوى القرار رقم ‎2/2023‏ والصادر عن بورصة الكويت على مخالفة لصحيح القانون، وذلك فيما تضمنه النص المضاف لقواعد عمل البورصة رقم ‎(13-9-1)، وذلك في تقريره بأن دين الشركة مصدرة الأسهم في مواجهة المكتتب هو حق ممتاز، وذلك على خلاف مقتضى صحيح القانون، ما جر النص المشار إليه لخطا قانوني آخر، وهو التقرير بتقدم الشركة مصدرة الأسهم على أصحاب الديون الممتازة في استيداء دينها من حصيلة بيع الأسهم.

وهو ما دعانا لإعداد الدراسة التالي تفصيلها، علّها – إن صحت – تكون مرجعا لآلية تطبيق مقتضى نص المادة ‎155‏ من القانون رقم 1/2016 تطبيقا صحيحا.

أولاً: بيان النصوص القانونية محل الدراسة:

1-‏ المادة ‎155‏ من القانون ‎1‏ لسنة ‎2016‏ بشأن الشركات التجارية والتي نصت على أنه” إذا تأخر المساهم عن الوفاء بالقسط المستحق على الأسهم في موعده وجب على الشركة بعد مضي خمسة عشر يوماً من إنذاره أن تعرض أسهمه للبيع في البورصة. وتستوفي الشركة من ثمن بيع الأسهم بالأولوية على جميع دائني المساهم قيمة الأقساط التي لم تسدد والفائدة وما تكون قد تحملته الشركة من نفقات ويرد الباقي للمساهم فإذا لم يكف ثمن بيع الأسهم رجعت الشركة على المساهم بالباقي في أمواله الخاصة”.

‎2-‏ المادة 34-5 من الفصل الخامس من الكتاب الحادي عشر من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 7/2010 والذي نص على أنه “تسجل الأوراق المالية غير المدفوع قيمتها بالكامل باسم وكيل الاكتتاب، ويتم الوفاء بقيمة تلك الأوراق المالية من خلال تحويلها للحساب المخصص لتلقى مبلغ الاكتتاب، وفي حالة إنكار المصدر أو وكيل الاكتتاب الوفاء بقيمة الورقة المالية، فيعتد بالشهادة الصادرة عن البنك المفتوح لديه الحساب المشار إليه في إثبات الوفاء. وفي حالة امتناع حامل الأوراق المالية عن الوفاء بالقدر غير المدفوع من مبلغ الاكتتاب في موعد استحقاقه، يطلب المصدر من وكيل الاكتتاب بيع الأوراق المالية على ذمة مالك تلك الأوراق المالية وإيداع قيمتها بالحساب المبين في الفقرة السابقة في هذه المادة، وتحويل ما يفي بالمبلغ غير المدفوع من قيمة الأوراق المالية لحساب المصدر، وتسليم مالك الأوراق المالية ما تبقى من فائض إن وجد.”

‏وذلك بالإضافة إلى نصوص القرار رقم ‎143/2023‏ الصادر عن هيئة أسواق المال الموقرة، القرار رقم 2/2023‏ الصادر عن بورصة الكويت، بشأن بيع الأسهم غير المسددة بالكامل في البورصة.

ثانيا: المركز القانوني للشركة تجاه الأسهم بحسب النصوص محل الدراسة (الرهن الحيازي)، الآثار المترتية على ذلك:

‏وحيث إن كلا من نص المادة 155 من قانون الشركات، وكذلك نص المادة ‎5-34 من الكتاب الحادي عشر من اللائحة التنفيذية للقانون رقم7/2010‏ المشار إليه، وان جاء ظاهرهما مشيرا لمحض إجراءات نظمها المشرع حال تخلف مالك الأسهم عن سداد باقي مقابل الاكتتاب فيها. إلا أن باطنهما قد انطوى على عدة حقوق قانونية قررها المشرع – ضمنا بتلك النصوص – للشركة مصدرة تلك الأسهم، علي رأسها ترتيب حق عيني تبعي هو حق الرهن الحيازي لصالح الشركة مصدرة الأسهم على الأسهم التي لم يتم سداد كامل ثمن الاكتتاب بها.

ذلك أنه وباستقراء النصين المتقدم الإشارة إليهما يبين أن المشرع وبمنحى استيداء الشركة للمستحق لها من ثمن الأسهم المكتتب فيها من قبل المساهم قد اختط نسقاً مختلفا للأصل العام بشأن الرهن الحيازي، وذلك بحسبان أن الأصل العام في الرهن (بنوعيه) أنه لا ينشا إلا بعقد. وفق نصي المادتين رقمي 1027،971من القانون المدني. إلا أن المشرع وبمقتضي نص المادة ‎155‏ من القانون ‎1/2016 والمادة المشار إلها باللائحة التنفيذية قد فرض رهنا حيازياً على الأسهم غير المسدد باقي ثمنها للشركة مصدرتها من قبل المساهم المكتتب فيها.

حيث جعل المشرع من الأسهم – غير المسدد قيمتها – بذاتها ضماناً لدين مقابل الاكتتاب غير المسدد، والذي تداين به الشركة المساهم مالك تلك الأسهم. وهو ما لا يمكن حمله – قانوناً – إلا على أنه رهن حيازي مقرر لصالح الشركة بوصفها دائنأ مرتهناً في مواجهة المساهم مالك تلك الأسهم باعتباره مديناً راهناً، وهو رهن حيازي يمكن أن يقال إن مصدره القانون، وذلك في خروج من المشرع على القواعد العامة بشأن الرهن، كتأمين عيني مصدره العقد.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الوضع القانوني ليس بدعة من المشرع الكويتي فالرهن الذي مصدره القانون مقرر ومعروف بالقانون الفرنسي. وهو ما أشار له الدكتور السنهوري في مؤلفه الوسيط في شر القانون المدني.

(يراجع في ذلك المؤلف المشار إليه – الجزء العاشر – ص 279)

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإنه كذلك، يمكن اعتبار ذلك الرهن الوارد بالنص القانوني المشار إليه حكماً من أحكام عقد الاكتتاب المبرم بين الشركة والمساهم المكتتب، وذلك بحسبان المستقر عليه بأحكام التمييز من أن القواعد القانونية المنظمة لعقد ما تعد جزءاً منه وحكماً من أحكامه، حتى ولو لم ينص عليها العقد.

(يراجع في ذلك الطعن رقم ‎1215/2013‏ مدني/2‏ – جلسة ‎4/5/2015)

فبنص المادة ‎5-34 من الكتاب الحادي عشر من اللائحة المشار إليها يكون المشرع قد اشترط بشأن الأسهم غير المسدد ثمنها للشركة مصدرتها أن تظل – رغم تخصيصها للمساهم وتملكه لها – مسجلة باسم وكيل الاكتتاب (كأمين عدل في الرهن)، وليس باسم المساهم مالكها، وذلك كتأمين عيني لدين الثمن لحين سداد المتبقي منه دون سداد. وإشارة من المشرع إلى حيازة الشركة لهذه الأسهم باعتبارها مسجلة باسم وكيل الاكتتاب.

فإما أن يسدد المساهم ثمنها في الموعد المحدد. أو يقوم التزام الشركة مصدرة الأسهم بإتمام بيعها من خلال البورصة بإصدار أمرها لوكيل الاكتتاب (المسجل باسمه الأسهم) بالبيع.

وبذلك يكون المشرع بنص المادتين المشار إلهما قد أوجد حقا عينياً تبعياً (رهناً حيازياً) للشركة على أسهمها المصدرة عنها والتي لم يسدد كامل مقابل الاكتتاب فها. فالشركة هي الدائن المرتهن، والمساهم المتخلف هو المدين الراهن، ووكيل الاكتتاب هو أمين العدل.

ولعل مما يؤكد ذلك الحق العيني التبعي (الرهن الحيازي) ما قرره ذلك النص القانوني للدائن المرتهن من حق التقدم على باقي الدائنين بشأن ثمن بيع تلك الأسهم، وكان هذا التقدم للدائن على باقي الدائنين، لا يجد معيناً له إلا في أحكام الرهن . وبذلك نكون أمام توصيف كامل لحالة الرهن الحيازي المقررة قانوناً، وإن لم يرد النص عليها صراحة.

وهو ما مؤداه أن على الشركة حال تخلف مالك تلك الأسهم عن سداد باقي قيمتها خلال المواعيد القانونية، أن تقوم ببيع تلك الأسهم على النحو المشار إليه في النصين المتقدم الإشارة إليهما، وذلك كواجب قانوني عليها، في أي يد كانت سواء أكانت بيد المكتتب في الأسهم ابتداء (أو خلفه العام)، أو كانت بيد غير المتنازل له عن تلك الأسهم (الخلف الخاص)، وذلك إعمالاً لمبدأ استحقاق الدائن المرتهن تتبع المال المرهون في أي يد يكون لاستيداء حقه المضمون بقيمة تلك الأسهم.

ثالثا: المركز القانوني للغير تجاه الأسهم موضوع الدراسة:

لعل أبرز فئات الغير التي ينبغي بحث وضعها القانوني تجاه هذه الأسهم هو الخلف الخاص الذي يتلقى هذه الأسهم من المساهم قبل أن يقوم ذلك المساهم بسداد كامل ثمنها للشركة، ودائنو هذا المساهم ومركزهم القانوني تجاه حصيلة بيع الأسهم المملوكة لهذا المساهم المدين لهم.

  • ‏الخلف الخاص

وحكم المادة ‎155‏ من قانون الشركات يسري بالكلية في مواجهة المالك الجديد للأسهم (الخلف الخاص للمكتتب الأصلي)، بما في ذلك استحقاق الشركة استيداء ما زاد عن دينها من ذمة المساهم الجديد المالية في حال زاد الدين عن مقابل البيع. وأن تمنحه ما زاد من الثمن عن مقدار دينها، في حالة الزيادة، وذلك بحسبان المقرر بنص المادة ‎202‏ من القانون المدني من أنه:

“1-‏ إذا أنشأ العقد حقوقا شخصية متصلة بمال معين على نحو يجعلها من توابعه، أو أنشأ التزامات متصلة به على نحو يجعلها من محدداته، ثم انتقل المال إلى خلف خاص فإن تلك الحقوق والالتزامات تنتقل معه.

‎2- ‏على أن الالتزامات المتصلة بالمال لا تنتقل معه إلى الخلف الخاص، إلا إذا كان، عند إبرام التصرف‎، يعلم بها أو في مقدوره أن يعلم بها، وذلك ما لم يقض القانون بخلافه”.‎

‏ولما كان المساهم الجديد المتنازّل له عن تلك الأسهم في مقدوره أن يعلم ما يترتب على ملكية تلك الأسهم من التزامات بذمة مالكها، من واقع ما يتوجب إثباته بسجل المساهمين من عدم تمام سداد ثمن الاكتتاب في تلك الأسهم للشركة مصدرتها.  (المادة ‎6-3من الكتاب الحادي عشر من اللائحة التنفيذية للقانون ‎7/2010)‏ والتي نصت على أنه” يكون للمصدر سجل خاص لدى وكالة مقاصة بكل إصدار، تقيد فيه أسماء حملة الأوراق المالية المصدرة عن ذلك المصدر، وجنسياتهم، وموطنهم، وعدد الأوراق المسجلة باسم كل مهم، ونوع الأوراق المالية والقيمة المدفوعة منها. ويتم التأشير في هذا السجل بأي تغييرات تطرأ على البيانات المسجلة فيه وفقاً لما تتلقاه وكالة المقاصة من بيانات. ولكل ذي شأن أن يطلب من وكالة المقاصة تزويده ببيانات عن هذا السجل.”

‏وبذلك يكون القانون قد كفل إمكانية معرفة المساهم الجديد أن تلك الأسهم لم يتم سداد كامل ثمنها بعد. ما يقيم الالتزامات والحقوق المتعلقة بتملك تلك الأسهم في مواجهة مالكها الجديد إعمالاً لنص المادة ‎202 من القانون المدني مار الإشارة إليها.

‏كما أن ما تضمنه النص القانوني في المادة ‎5-34‏ من الفصل الخامس من الكتاب الحادي عشر من اللائحة التنفيذية للقانون رقم ‎7/2010‏ بشأن إنشاء هيئة أسواق المال، من وجوب أن يثبت في سجل المساهمين القيمة المالية المدفوعة من قبل المساهم يعد بمثابة التأشير بالرهن الحيازي المقرر على تلك الأسهم للشركة مصدرتها ضماناً لباقي المستحق بذمة مالك تلك الأسهم بسجل المساهمين. إذ هو يكشف بذاته عن الحق العيني التبعي المقرر على تلك الأسهم بموجب نص المادة ‎155‏ من قانون الشركات التجارية.

‏هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فإن المساهم الجديد المتلقي لتلك الأسهم من المساهم المكتتب. يعد في صحيح القانون محالاً إليه الحق، وذلك بحسبان المقرر بقضاء محكمة التمييز من أن ” المقرر في قضاء هذه المحكمة أن الأصل وفقا للمادة 63‏ من قانون الشركات التجارية أن أسهم الشركات المساهمة قابلة للتداول بالطرق التجارية دون اتباع إجراءات حوالة الحق وما يتطلبه من قبول الشركة للحوالة أو إعلانها بها لنفاذها ومن ثم فلكل مساهم أن يتنازل عن أسهمه للغير فيفقد حصته كشريك ويحل محله في الحقوق والالتزامات من وقع له التنازل عن الأسهم”

) طعن رقم ‎534‏ لسنة ‎2005‏ (تجاري) – جلسة ‎22/4/2006‏(

وكان المقرر بنص المادة ‎٣٦٨‏ من القانون المدني أنه ” ينتقل الحق إلى المحال له بصفته وتوابعه وتأميناته”.

وبذلك يكون المستقر عليه قانوناً وقضاءً أن التنازل عن الأسهم يعد بمثابة حوالة حق وحوالة دين من المساهم المتنازل لصالح المساهم المتنازل له في مواجهة الشركة. دون التزام بإعلان الشركة بالحوالة أو موافقتها عليها. وأن تلك الحوالة للأسهم لازمها انتقال ما لها من حقوق وما علبها من التزامات للمساهم المتنازل له عنها.

وهو ما يؤدي لذات النتيجة سالف الإشارة إليها من انتقال دين باقي مقابل الاكتتاب لأي مساهم قد يتم التنازل له عنها، ويصبح ملتزماً به في ذمته الشخصية، إذا لم يف بيع الأسهم بكامل الدين المستحق للشركة .

كما يثور في هذا المنحى تساؤلٌ آخر، وهو ما إذا كان المساهم الجديد متلقي الأسهم غير المسَدَدِ باقي ثمن اكتتابها، يمتلك أسهماً أخرى خلاف التي تلقاها من المكتتب المتخلف عن السداد. فما هو حكم تلك الأسهم الأخرى؟

والإجابة بالقطع أن تلك الأسهم لا تعتبر مرتهنة ضماناً لدين باقي الأسهم غير المسدد قيمة الاكتتاب فيها. بل هي لا تعدو أن تكون أحد مفردات الذمة المالية للمساهم الجديد يسري عليها ما يسري على باقي مفردات ذمته المالية التي يجوز أن تنفد علها الشركة في حال عدم كفاية مقابل بيع الأسهم غير المسدد ثمن الاكتتاب فيها، لباقي المستحق للشركة في ذمة المساهم الجديد. ومن ثم فلا يجوز بيع الأسهم محل التساؤل مع الأسهم غير المسدد باقي ثمن الاكتتاب فيها. لتمايز الحالة القانونية بين هذه وتلك، على النحو المتقدم بيانه.

وهي المسائل والفروض العملية التي لم يجب عنها القراران الصادران عن هيئة أسواق المال وبورصة الكويت سالف الإشارة إليهما، رغم فرضية وقوعها من الناحية العملية، ما يخلق فراغاً تشريعياً وتنظيمياً. يتعين على الجهات الرقابية معالجته في أسرع وقت.

  • ‎‏ دائنو المساهم

‏إن وجود حق الرهن -المشار إليه سلفاً – لصالح الشركة على الأسهم موضع البحث، مؤداه تقدم حق الشركة على حق أي حاجز- متخيل – من دائني المساهم المتقاعس عن السداد، ومن ثم فإنه إذا وجب بيع تلك الأسهم، فإن وجود أي حجز عليها من الغير، لا يحول دون إقدام الشركة على تنفيذ التزامها القانوني بالبيع واستيداء حقها، وذلك بحسبان حق الرهن المقرر للشركة، والذي يمنحها حق التقدم على سائر الدائنين، ومن ثم فإنه في حال وجود حجز للغير على تلك الأسهم، فإن ذلك الحجز ينتقل إلى ما تبقى من حصيلة البيع، بعد استيداء الشركة لكامل المستحق لها، المقرر بنص المادة ‎155‏ من قانون الشركات التجارية. وذلك إعمالاً لمقتضى نص المادة ‎9-15‏ من الكتاب واللائحة المشار إليهما، والتي تنص على أنه ” لا يمنع الحجز الذي يقع بعد تاريخ الرهن على الأوراق المالية أو المحفظة المرهونة من البيع أو التملك وفقا لأحكام المادتين ‎(9-13) و (9-14) من هذا الكتاب، وفي هذه الحالة يتم الوفاء بحق الدائن المرتهن في حدود ما يفي بدينه، وينتج الحجز أثره بالنسبة لما زاد عن حق الدائن المرتهن ، وذلك كله دون إخلال بحقوق أصحاب الامتياز”.

وتجدر الإشارة إلى أن ” حق الأولوية ” المقرر بنص المادة ‎155‏ من القانون ‎1/2016 ‏ وكما سبق القول فإنه لا يعدو أن يكون حق التقدم المقرر للدائن المرتهن. وهو بذلك يجعل الشركة عند استيداء حقها من حصيلة بيع الأسهم فإنها تأتي في مرتبة تالية لأصحاب الحقوق الممتازة المقررة بموجب نص في القانون، وذلك إعمال للقواعد العامة المرعية في هذا الشأن.

وذلك بحسبان أن نص المادة ‎155‏ من قانون الشركات التجارية إذ قرر أولوية الشركة في استيداء حقها قبل المساهم متقدمة على أي دائن آخر، فإن تلك الأولوية محلها شخص الدائن، وليس الدين نفسه. فالشركة وإن كانت تتقدم جميع الدائنين أصحاب الديون غير الممتازة، إذ الأخيرة تظل محتفظة بمكانها القانوني المقرر في التقدم على غيرها من الديون عند توزيع حصيلة التنفيذ حتى وإن كان أصحاب الديون الأخرى دائنين مرتهنين.

وهو الحكم القانوني الذي جاء القرار الصادر عن شركة بورصة الكويت على خلاف مقتضاه، إذ جعل القرار الصادر عن البورصة حق الشركة حقا ممتازاً، وجعلته متقدماً من حيث استيدانه على باقي الديون الممتازة حتى المنصوص علهها بعجز القانون المدني، وذلك رغم عدم ذكر نص المادة ‎155‏ من قانون الشركات التجارية لصفة الامتياز لدين الشركة. وكان المقرر أن الامتياز للدين لا يتقرر إلا بموجب نص قانوني. يمنحه صفة الامتياز على غيره من الديون.

رابعا: الخروج على القواعد العامة في التنفيذ الجبري: حق الشركة – والتزامها – ببيع الأسهم المرتهنة دون الحاجة لوجود سند تنفيذي.

لما كان الثابت أن استيداء الحقوق المقررة قانوناً بطريق التنفيذ الجبري، لازمه سبق التحصل على سند تنفيذي لا يتم التنفيذ إلا بموجبه (م.190‏ من قانون المرافعات). إلا أن المشرع استثني شركات المساهمة بنوعيها من هذا الأصل العام، وأوجب علها التنفيذ الجبري على المدين لها (المساهم المتخلف عن سداد قيمة الأسهم المكتتب فيها)، دون وجوب الحصول على سند تنفيذي. بأن أوجب عليها بيع الأسهم المملوكة للمساهم جبراً عليه عن طريق البورصة، وبذلك يكون المشرع قد أخرج ذلك الإجراء – المقرر لمصلحة الشركة المساهمة والمساهمين فها ودائنيها- من نطاق التنفيذ الجبري، الذي تقوم عليه إدارة التنفيذ وفقا لنص المادة ‎189‏ منى قانون المرافعات.

وهو وضع أشبه ما يكون بأحكام الحجز الإداري بالقانون المصري الصادر به قانون الحجز الإداري المصري والذي أجاز للدولة اتخاذ إجراءات تنفيذية قبل المدين دون الحصول على سند تنفيذي.

وفي هذا المعنى قضت محكمة التمييز بأن” الشركات المساهمة. مطالبة المساهمين بما تبقى من قيمة أسهمهم. للشركة اقتضاء حقها بنفسها دون اللجوء إلى طرق التقاضي العادية إذ أجاز المشرع أن تعرض تلك الأسهم للبيع في المزاد العلني أو في البورصة إن وجدت وتستوفي من ثمن البيع الأقساط التي لم تسدد والفوائد والنفقات ويرد الباقي للمساهم فإذا لم يكن ثمن البيع كافياً رجعت الشركة بالباقي على المساهم في أمواله الخاصة”

(الطعن رقم ‎578‏ لسنة 201 تجاري/5‏ جلسة ‎28/12/2010‏)

وبذلك نكون أمام حالة قانونية فريدة يمكن وصفها بأنها بيع جبري (ليس مصدره السند التنفيذي) بل إن مصدره هو النص القانوني. اختطها المشرع توصلا منه إلى تنفيذ التزام المساهم بالوفاء بثمن الأسهم المكتتب فيها عيناً وجبراً عليه. كما يعد في ذات الوقت تنفيذاً لالتزام الشركة تجاه مساهميها ودائنيها بإتمام ذلك البيع.

وفي هذا المنحى تجدر الإشارة إلى أن النصين محل الدراسة قد أقاما بحق الشركة مصدرة الأسهم غير المسدد كامل ثمنها (حقا والتزاما في ذات الوقت) ببيع تلك الأسهم.

إذ إن طبيعة قيام الشركة التجارية ببيع تلك الأسهم لاستيداء حقها في باقي مقابل الاكتتاب هو -وبالتأكيد – يعد حقاً لها في مواجهة المساهم المتقاعس عن السداد. إلا أن المشرع – وفي حالة فريدة من نوعها – قد جعل استيداء ذلك الحق (التزام بعمل) في ذمة الشركة (صاحبة الحق في البيع). إلا أن الطرف الآخر في التزام الشركة (صاحب الحق فيه) هم باقي المساهمين في الشركة ودائنوها. ولهم الحق في مساءلتها حال عدم تنفيذ التزامها بالبيع.

ولما كان النصان موضع الدراسة قد جعلا مناط قيام هذا الالتزام، هو “عدم قيام المساهم بالسداد خلال المواعيد القانونية لمقابل الاكتتاب“. وكان محل التزام الشركة في مواجهة المساهمين فيها ودائنيها هو بيع أسهم المساهم المتقاعس، واستيداء حقها من مقابل البيع، وهو التزام محله (القيام بعمل). فإنه لا ينقضي التزام الشركة بالبيع في حال قام المساهم المتقاعس بالسداد بعد المواعيد القانونية. وذلك لسببين:

الأول: أن التزام المساهم ليس فقط الوفاء بمقابل الاكتتاب كاملا وحسب، بل يجب أن يكون هذا الوفاء خلال المدة القانونية المقررة. والقول بغير هذا النظر يفرغ النص القانوني من مضمونه وينال من علته التشريعية ومقصوده من خلق ردع عام للمساهم المتقاعس عن السداد خلال الآجال القانونية.

والثاني: أن قيام الشركة ببيع أسهم المساهم المتقاعس عن السداد خلال المواعيد القانونية، يمثل في وجهه الآخر، التزاماً بذمة الشركة تجاه باقي المساهمين ودائني الشركة. لا يقيلها منه الوفاء الجزئي من المساهم بالتزامه (السداد دون الالتزام بالمواعيدالقانونية). فالتزام الشركة تجاه مساهميها ودائنيها، وبمنحبى انقضائه بالوفاء، فإنه لا ينقضي بالوفاء إلا إذا قامت الشركة بتنفيذ التزامها (القيام بعمل) وهو بيع أسهم المساهم المتقاعس، واستيداء حقها في ثمن الاكتتاب والمصاريف والفوائد، من ثمن بيع الأسهم.

خامسا: بيان الآلية القانونية في رجوع الشركة على المساهم في ذمته الخاصة حال عدم كفاية ثمن البيع لدينها عن مقابل الاكتتاب

قضت المادة ‎155‏ من قانون الشركات التجارية باستحقاق الشركة للرجوع على المساهم في ذمته المالية حال عدم كفاية ثمن بيع الأسهم كوفاء لدين مقابل الاكتتاب، ولكن خلا النص من بيان آلية ذلك الرجوع.

والقول في هذا المنحبى أن ذلك الرجوع المقرر للشركة بذمة ذلك الشريك يخضع من حيث آليته للقواعد العامة. فلا يجوز للشركة أن تنفذ على أموال المساهم بباقي المستحق لها من ثمن الاكتتاب إلا بعد أن تتحصل على سند تنفيذي (كحكم قضاني مثلاً) يجيز لها ذلك التنفيذ على مفردات الذمة المالية الشخصية للمساهم، وذلك بحسبان أن ما أتى به نص المادة ‎155‏ من أحكام بشأن جواز استيداء الشركة لحقوقها لدى المساهم، دون سند تنفيذي يجيز لها ذلك التنفيذ الجبري، يعد استثناء على القواعد العامة في التنفيذ واستيداء الحقوق، وهو ما لا يجوز التوسع فيه ولا في تفسيره .

ومن الجدير بالإشارة إليه أن حق التقدم الذي قرره النص القانوني المشار إليه للشركة بشأن استيفائها دينها من ثمن البيع متقدمة على جميع دائني المساهم كأحد آثار الرهن. لا ينصرف إلى التنفيذ على الذمة المالية الشخصية للمساهم. ذلك أن حق الرهن المشار إليه قد اقتصر على الأسهم غير المسدد كامل مقابل الاكتتاب فيها.

سادسا: بيان الوضع القانوني خلال الفترة من تاريخ التزام الشركة بالبيع، وحتى تاريخ تمام البيع:

يجدر القول بأنه وخلال الفترة ما بين انتهاء مهلة السداد القانونية المقررة للمساهم وبين تمام بيع تلك الأسهم، فإنه يحق للشركة مصدرتها خلال تلك الفترة، أن تمارس حق التصويت بموجهها، باعتبارها مرتهنة الأسهم ضمانا لدين حل أجل سداده، وذلك بحسبان المقرر بنص المادة ‎9-8 من الكتاب الحادي عشر من اللائحة التنفيذية للقانون رقم ‎7/2010‏ والتي نصت على أنه” يجوز للراهن أن يتنازل – بموجب عقد الرهن أو أي تعديل عليه – للدائن المرتهن عن حقه في حضور اجتماعات الجمعيات العامة واجتماعات هينة حملة السندات أو الصكوك حسب الأحوال – والتصويت فيها نيابة عن الراهن، وفي جميع الأحوال ينتقل حق الراهن في التصويت بالأوراق المالية المرهونة الى الدائن المرتهن اعتبراً من اليوم التالي للتاريخ الذى يعتبر فيه الدين المضمون بالرهن حال الأداء دون قيام المدين بسداده.”

وبذلك يكون المشرع قد اختص الدائن المرتهن للأسهم – عند حلول أجل الدين المضمون بالرهن – بحق التصويت عن تلك الأسهم المرهونة دون مالكها- المدين الراهن -. والدائن المرتهن في حالتنا هي الشركة مصدرة الأسهم،

والقول هنا، أن الذي يمارس حق التصويت عن تلك الأسهم خلال تلك الفترة، هو الممثل القانوني للشركة. بوصف الأخيرة هي المرتهنة لها. والمخولة قانونا بحفظها وإدارتها.

ونرى أن الأمر لا يجب أن يتوقف عند حد منع المساهم من التصويت بموجب تلك الأسهم – على نجو ما نصت عليه المادة9-8‏ من الكتاب الحادي عشر من اللائحة التنفيذية للقانون رقم 7/2010‏، بل إن الأمر يتجاوز ذلك إلى منع المساهم المالك لتلك الأسهم خلال تلك الفترة من التمتع بأية مزايا قد تحققها له ملكيته للأسهم كالتمثيل داخل مجلس إدارة الشركة بموجهها لذات العلة المتقدم الإشارة إلها.

ذلك أن نص المادة ‎155 من قانون الشركات التجارية المشار إليه قد فرض التزاماً على الشركة مصدرة تلك الأسهم ببيعها واستيداء باقي ثمنها غير المسدد والمصاريف والفوائد من ثمن البيع. ولا يصح من ثم مع وجود ذلك الالتزام على الشركة المصدرة أن تكون يد المساهم مطلقة على تلك الأسهم يتصرف فيها كيف يشاء باعتباره المالك لها. فيصوت بموجهها – داخل مجلس الإدارة أو بالجمعية العامة للشركة – على قرارات، قد تعوق قدرة الشركة على القيام بواجبها القانوني، المتمثل في حتمية بيع تلك الأسهم. وبذلك يمسي غل يد المساهم عنها أمراً واجباً لا مناص منه. تمكيناً للشركة الملتزمة من تنفيذ التزامها ببيع تلك الأسهم، وحتى لا يكون تنفيذ ذلك الالتزام متوقفأ على إرادة المساهم غير الملتزم أصلا بالبيع. في حال مكَّنه التصويتُ بموجب تلك الأسهم من عرقلة قرار البيع أو تنفيذ ذلك القرار.

وكانت هذه المسألة أيضا من المسائل العملية الهامة، والتي جاء القراران المشار إلهما خلوا من أية معالجة لها.

خاتمة

وخلاصة القول وسنامه، إن الأسهم غير المسدد ثمن الاكتتاب فها للمصدر خلال المواعيد القانونية، تسري علها أحكام الرهن الحيازي للأسهم، ما دام كامل ثمنها لم يتم سداده للمصدر، وذلك جميعه بما لا يتعارض مع حكم المادة ‎155‏ من قانون الشركات التجارية.

وهو ما مؤداه أن تلك الأسهم بعد انقضاء المدة المحددة لسداد ثمن الاكتتاب فيها تغل يد المساهم عن التمتع بأية مزايا قررها القانون لحاملها من أرباح وحق التصويت وكذلك حق التمثيل داخل مجلس إدارة الشركة.

وانه لمن نافلة القول أن جميع ما تقدم من أحكام كما ينطبق بالنسبة لعدم سداد مقابل الاكتتاب عن الأسهم المصدرة عند تأسيس الشركة فإنها كذلك تسري بالنسبة للأسهم التي تصدرها الشركة في حال زيادة رأس مالها وفقا لنص المادة159‏ من القانون1/2016 يشأن الشركات التجارية، وذلك لوحدة العلة والغاية التشريعية، وهي المسألة العملية الهامة، التي خلا القراران الصادران من هيئة أسواق المال، وشركة البورصة من معالجتها بنصوص واضحة،

ولما كان جميع ما تقدم، وكانت نصوص قانون الشركات التجارية 1/2016 وقانون هيئة أسواق المال 7/2010 ولائحته التنفيذية، وكذلك القرارات الصادرة بالتعديل على اللائحة التنفيذية للقانون ‎7/2010 وكذلك قواعد العمل في بورصة الكويت، قد جاءت قاصرة عن بلوغ حد الكفاية في استيضاح جميع ما أوردته هذه الدراسة، ووضع القواعد والإجراءات المنظمة لبيع الشركة لأسهم المساهم المتقاعس عن سداد كامل ثم الاكتتاب فيها.

كما أن القرار رقم2/2023‏ الصادر عن بورصة الكويت يشأن قواعد اعمال نص المادة155‏ من قانون الشركات التجارية قد شابته بعض أوجه مخالفة القانون من جهة والنقص من جهة أخري، على النحو الذي أوضحناه الدراسة.

ومن ثم فإننا بحاجة لتدخل تشريعي أو لائجي جديد يعالج جميع ما حوته هذه الدراسة من حقوق وإجراءات، يتعين مراعاتها والتزامها، على نحو يتفق وتطبيق مقتضى نص المادة ‎١٥٥‏ من قانون الشركات التجارية.

هذا جهدنا، والله من وراء القصد.

 

 المستشار/ عمرو شهير

المستشار القانوني في مكتب مشاري العصيمي للمحاماة

يمكنكم تحميل المقالة من خلال الرابط التالي:

تحميل الملف