تؤدي محكمة التمييز في دولة الكويت دوراً مختلفاً عن ذلك الذي تؤديه بقية المحاكم في الدولة، وهو اختلاف يجد أساسه في الغاية من إنشاء هذه المحكمة وهي توحيد توجهات المحاكم الأدنى بشأن تطبيق القانون وتفسيره، من خلال إرساء المبادئ القضائية.
يضيّق هذا الدور الخاص لمحكمة التمييز من نطاق فحصها للنزاع المطروح أمامها، فهي – كما هو معروف – لا تعيد بحث النزاع بشقيه الواقعي والقانوني كما تفعل محاكم الموضوع، بل تقتصر على بحث الشق القانوني وحسب، وهي في ذلك تأخذ بالواقع الذي استخلصته محكمة الموضوع كنتيجة مسلم بها، فلا تقبل معاودة المنازعة فيه، إلا في حالات استثنائية.
بعبارة أخرى: يقتصر دور محكمة التمييز على فحص سلامة الحكم المطعون فيه من الناحية الشكلية والموضوعية، ثم فحص مدى توافق هذا الحكم – في ضوء الوقائع التي استخلصها بشكل معقول – مع التطبيق والتفسير الصحيح للقانون([1])، ولذلك يشيع القول بأن محكمة التمييز محكمة قانون، وأنها ليست في حقيقتها درجة من درجات التقاضي.
لذلك كله، تشكل صياغة أسباب الطعن أمام محكمة التمييز تحدياً حقيقياً للمحامي واختباراً جدياً لقدراته، وعلى رأسها قدرته على التمييز بين مسائل الواقع ومسائل القانون (وهي مهمة أصعب مما تبدو عليه لأول وهلة)، وكذلك قدرته على التفرقة بدقة بين الأسباب المختلفة للطعن بالتمييز واستعمالها بشكل سليم، وإدراكه للأسباب التي لا تقبل إثارتها أمام هذه المحكمة. ومن جهة أخرى ومقابلة، يساهم الفهم الواضح لأسباب الطعن بالتمييز في إعداد الرد على صحف الطعن بشكل فعال، من خلال الاستبعاد السريع لكل الأسباب التي لا تنطبق عليها الاشتراطات القانونية لقبولها أمام محكمة التمييز.
وعلى الرغم من أهمية هذه المسألة، إلا أن المشتغل في ميدان المحاماة لا يمكنه عند الاطلاع على صحف الطعن بالتمييز – في سياق عمله اليومي – إلا أن يلحظ في كثير منها عدداً من الأخطاء المنهجية ([2])، التي تتعلق في أساسها بالكيفية التي تصاغ بها أسباب الطعن، إذ يجري ذلك على نحو مختلط وملتبس، بل ومجهل أحياناً، وتنشأ هذه الأخطاء في المجمل عن عدم إدراك كاتب الصحيفة لغاية الطعن بالتمييز وحدود رقابة المحكمة على الحكم المطعون فيه، مما يؤدي إلى عدم صياغة الأسباب وعرضها بشكل يمكن المحكمة من إسباغ رقابتها على الحكم في حدود اختصاصها، الأمر الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى عدم قبول الطعن.
ونظراً للشيوع المؤسف لهذه الظاهرة، ومن ثم الحاجة إلى بيان يوضح هذه المسألة، فقد بادرت بإعداد هذه الورقة، مراعياً فيها الاختصار الذي يتفق والغايات العملية لمحامٍ منغمس في العمل، مع الحرص على ألا يأتي هذا الاختصار على حساب الدقة النظرية. لذلك: لم تتعمق هذه الورقة في التحليل العلمي والتوثيق كما يليق بكتابة أكاديمية، ولكنها، مع ذلك، لا تنزل إلى مصاف الحديث المرتجل والخواطر القانونية، فهي بذلك أقرب إلى خارطة طريق رسمت لمسافر على عجلة من أمره.
تحاول هذه الورقة الإجابة على ثلاثة عناوين رئيسية: ما هو التعريف الدقيق لكل سبب من أسباب الطعن بالتمييز؟ وما هي الأسباب غير المقبولة للطعن بالتمييز؟ وما هي أبرز الأخطاء العملية الشائعة عند صياغة أسباب الطعن بالتمييز؟
أولاً: التمييز بين أسباب الطعن بالتمييز
حددت المادة ١٥٢ من قانون المرافعات المدنية والتجارية أسباب الطعن بالتمييز، وذلك على سبيل الحصر، وهي الأسباب التالية: مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله، وبطلان الحكم، وبطلان في الإجراءات أثر على الحكم، وتناقض الأحكام النهائية.
إضافة إلى ما ورد في هذا النص من أسباب، درجت محكمة التمييز في قضائها المضطرد على تعريف عيوب معينة تندرج كلها تحت بطلان الحكم الذي يتيح تمييزه، وهذه العيوب هي: القصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، مخالفة الثابت بالأوراق، وتناقض الأسباب.
وفيما يلي بيان المعنى الدقيق لكل سبب من أسباب الطعن بالتمييز المذكورة صراحة بنص المادة ١٥٢ مرافعات، وكذلك ما يندرج تحتها من عيوب يشار إليها باضطراد في قضاء محكمة التمييز، مع ذكر أمثلة وتطبيقات لكل منها لزيادتها وضوحاً في ذهن القارئ:
السبب الأول: بطلان الحكم
يقصد ببطلان الحكم وقوع خلل في تكوينه، وقد يأتي في صورة بطلان شكلي، أو بطلان موضوعي:
الصورة الأولى: البطلان الشكلي:
هو خطأ يتعلق بإجراءات صدور الحكم، أو بياناته المكتوبة، أو في ولاية القضاة المصدرين للحكم، ويشترط أن يكون على قدر من الجسامة.
ومن أمثلة البطلان الشكلي للأحكام: النقص الجسيم في اسم أحد الخصوم الذي من شأنه أن يشكك بحقيقة الخصم واتصاله بالخصومة. ومنها: صدور الحكم دون توقيع مسودته وإيداعها في يوم النطق به، ومنها: توقيع رئيس الدائرة لوحده على مسودة الحكم دون باقي القضاة، ومنها: صدور الحكم دون أن يذكر في ديباجته أنه صادر باسم أمير البلاد، ومنها: النطق بالحكم من هيئة مغايرة لتلك التي استمعت للمرافعة، إلا إذا أشير في نسخة الحكم الأصلية إلى أن الهيئة التي استمعت للمرافعة حضرت المداولة ووقعت على مسودة الحكم.
الصورة الثانية: البطلان الموضوعي:
وهو خلل يصيب طريقة تعامل القاضي مع شق الواقع في الدعوى، سواء من حيث استخلاصه لواقعة معينة، أو من حيث النتائج التي يرتبها عليه. فموضع هذا الخلل – وهي مسألة في غاية الأهمية – هو في الأسباب الواقعية للحكم، وليس الأسباب القانونية، حيث أن الأسباب القانونية موضع عيوب أخرى، وهي مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله كما سيأتي ذكره.
وللبطلان الموضوعي عدة صور، لم ترد في التشريع، ولكن أظهرها الواقع العملي وأبرزتها أحكام محكمة التمييز، وهذه الصور هي: القصور في التسبيب، والفساد في الاستدلال، ومخالفة الثابت بالأوراق، وتناقض الأسباب. ولكل من هذه العيوب تعريف دقيق يميزه عن الآخر.
- القصور في التسبيب: هو عيب يمس “كفاية” الأسباب الواقعية للحكم، وذلك عندما تستخلص المحكمة نتيجة معينة دون أن تبين المقدمة التي قادتها إلى هذه النتيجة، وللقصور في التسبيب صورة خاصة معروفة هي الإخلال بحق الدفاع، وذلك حين يتقدم الخصم بدفاع جوهري منتج، فتغفل المحكمة الرد عليه صراحة أو ضمناً، فيأتي حكمها قاصراً في أسبابه.
ومن أمثلة القصور في التسبيب: تقدير النفقة دون بيان الأسباب الواقعية التي قادت المحكمة لتقديرها على هذا النحو، أي دون تناول الوقائع المتعلقة بيسار المدين بالنفقة، أو إعساره.
ومن ذلك: إثبات توافر الخطأ في حق المدعى عليه، دون بيان الوقائع التي استخلص منها الحكم وجود الخطأ.
ومن ذلك: تقدير المحكمة للتعويض، دون أن تبين العناصر الواقعية التي يستند إليها هذا التقدير.
ومن ذلك: قضاء الحكم بإبطال العقد للغلط، دون أن يبين توافر أحد شروط الغلط وهو اتصاله بعلم المتعاقد الآخر.
ومن ذلك: أن يبدي المدعى عليه دفعاً مؤيداً بالدليل بتقادم الالتزام، أو يتمسك بانتفاء الرابطة السببية لنفي مسئوليته، فتعرض عن دفاعه المحكمة ولا تشير إليه في حكمها، فذلك يعتبر إخلالاً بحق الدفاع وهو أحد صور القصور في التسبيب.
- الفساد في الاستدلال: هو عيب يمس “منطقية” الأسباب الواقعية للحكم، أو ما يسمى بـ “سلامة الاستنباط”، ويقع ذلك عندما تستخلص المحكمة نتيجة معينة، وتبين بالفعل في حكمها الأسباب التي قادتها إلى استخلاص هذه النتيجة، ولكن يتبين أنها أسباب لا تؤدي من الناحية المنطقية للنتيجة التي انتهت إليها المحكمة.
ومن أمثلة الفساد في الاستدلال: أن يستخلص الحكم صورية المخالصة استناداً إلى أنها لم تبين المبلغ المتخالص عنه بتفاصيله، رغم انتفاء العلاقة بين الأمرين: فتفصيل المبلغ المتخالص منه من عدمه، لا علاقة له بمسألة جدية المخالصة أو صوريتها، فقد تكون المخالصة جدية وعامة في ذات الوقت.
ومن ذلك أيضاً: استخلاص الحكم من وجود المدعي في الخارج قيام مانع مادي من ممارسة حق التقاضي، ومن ثم انتهاء الحكم إلى وقف سريان التقادم في حقه، في حين أن الوجود في الخارج بذاته لا يعد مانعاً من المطالبة بالحق، إذ لا يوجد ما يمنع المدعي من توكيل الغير وهو في خارج الكويت.
ومن ذلك: استخلاص الحكم أن خلو عقد الشركة من النص على وجوب تسجيلها في السجل التجاري يعني العقد لم يسجل بعد ذلك. في حين أن تسجيل العقد هو واقعة لاحقة على تحريره، فلا يصح أن يستخلص وقوع التسجيل أو عدم وقوعه من البيانات المكتوبة في العقد، بل العبرة في ذلك بالرجوع إلى السجل التجاري ذاته.
- تناقض الأسباب: هو عيب يمس “اتساق” الأسباب الواقعية للحكم، وهو – بحسب تعريف محكمة التمييز – ذلك التناقض الذي تتماحى به أسباب الحكم، بحيث لا يبقى بعدها ما يمكن حمل الحكم عليه.
ومن أمثلة تناقض الأسباب: أن ترفض المحكمة الدفع بـ “عدم قبول الدعوى لعدم سلوك المدعي لطريق أمر الأداء”، مبررة ذلك بأن الدين غير معين المقدار، ثم تقضي بإلزام المدعى عليه بالفوائد منذ تاريخ استحقاق الدين لا منذ تاريخ الحكم النهائي، على سند من أن الدين معين المقدار منذ نشأته، فهنا تناقضت المحكمة، حين قررت أن الدين غير معين المقدار ومن ثم لا داعي لسلوك طريق أمر الأداء، ثم عادت وقررت – عند تناول الفوائد – أن الدين معين المقدار وأن الفوائد تسري منذ استحقاقه.
ومن ذلك: أن تقضي المحكمة برفض الدعوى لعدم قيام الالتزام المدعى به أصلاً، وتقرر أيضاً في أسبابها أن هذا الالتزام انقضى بالوفاء، في حين أن الوفاء لا يتصور أن يقع إلا على التزام ناشئ وموجود.
ومن ذلك: أن ترفض المحكمة طلب المدعي القضاء بإثبات صورية عقد البيع وأنه في حقيقته عقد هبة، على سند من انتفاء شواهد الصورية، ثم تعود وتقضي لصالحه بإثبات رجوعه في الهبة، فتكون قد نفت الصورية وأثبتتها في ذات الحكم.
- مخالفة الثابت بالأوراق: ولهذا العيب صورتان: صورة إيجابية تتحقق بتحريف المحكمة للمعنى الظاهر للمستندات المقدمة لها، فهي تقضي استناداً إلى المستند، ولكن على خلاف البيانات الثابتة به. وصورة أخرى سلبية: تتحقق عندما تتجاهل المحكمة المستند ودلالته، وتقضي في الدعوى وكأن المستند لم يقدم فيها.
ومن أمثلة مخالفة الثابت بالأوراق: أن يستخلص الحكم أن عقد العمل محدد المدة ويقضي بتعويض العامل عن فصله بمبلغ يساوي باقي مدة العقد، في حين أن العقد المقدم في الدعوى قد تضمن نصاً صريحاً على أنه عقد غير محدد المدة.
ومن ذلك أيضاً: أن تقضي المحكمة بإلزام المدعى عليه بالدين المطالب به متجاهلة المستند المقدم من المدعى عليه والدال على أن الدين غير حال الأداء.
السبب الثاني: بطلان في الإجراءات أثر على الحكم:
في هذه الحالة، لا يشوب البطلان الحكم ذاته سواء من الناحية الموضوعية أو الشكلية، ولكنه يشوب الخصومة التي صدر فيها الحكم، أي ما قامت به المحكمة أو الخصوم من أعمال إجرائية سابقة على صدوره، ويشترط لبطلان الحكم في هذه الحالة أمران:
أولهما: بطلان الإجراء، ولا يكفي لذلك أن يقع الإجراء مخالفاً للقانون، بل يجب أن يترتب على هذه المخالفة ضرر، ويقصد بالضرر في هذا المقام: تخلف الغاية التي ابتغاها المشرع من الإجراء. أما إذا تحققت الغاية، فلا بطلان، ولو خالف الإجراء نموذجه المفترض قانوناً.
ثانيهما: أن يؤثر هذا الإجراء الباطل في النتيجة التي انتهى إليها الحكم المطعون فيه، بحيث يكون واضحاً أن الحكم ما كان لينتهي للنتيجة التي انتهى إليها، لو لم يعتد بهذا الإجراء الباطل.
ومن أمثلة وتطبيقات هذا السبب من أسباب الطعن بالتمييز:
- صدور الحكم في دعوى شاب صحيفة افتتاحها سبب من أسباب البطلان كعدم توقيعها من محامٍ.
- صدور الحكم في خصومة لم تنعقد بشكل صحيح لبطلان الإعلان.
- صدور الحكم في خصومة تبين أن أحد أطرافها غير أهل للتقاضي، أو لا يتمتع بالشخصية المعنوية.
- صدور الحكم في دعوى يقتضي القانون تدخل النيابة العامة وجوباً فيها (كدعوى الحجر) دون أن يجري ذلك.
السبب الثالث: مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه أو تأويله
آثرنا إدراج هذه العيوب تحت سبب واحد، ومع ذلك تفرق بعض الآراء الفقهية بين مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، فتقرر بأن مخالفة القانون تتمثل في “إنكار القوة الملزمة للقاعدة القانونية” وذلك بعدم تطبيقها كلية وتطبيق قواعد ليس لها قوة القانون، أما الخطأ في تطبيق القانون فيقع عندما يطبق القاضي قواعد لها قوة القانون ولكنه يخطئ في اختيارها، فيطبق قواعداً ليست هي القواعد واجبة التطبيق على موضوع النزاع.
والحقيقة أن هذه التفرقة قليلة الأهمية من الناحية العملية، والسبب في ذلك أن نتيجة الخطئين واحدة: وهي استبعاد القاعدة القانونية واجبة التطبيق. ولذلك فإن محكمة التمييز تشير عادة إلى هذين السببين في أحكامها مقترنين ببعضهما البعض.
أما بالنسبة للخطأ في تأويل القانون، فإن الفرض هنا هو أن ينجح القاضي في الوصول إلى القاعدة القانونية واجبة التطبيق، لكنه يفشل في تفسيرها تفسيراً صحيحاً، فيعطيها معنى مغايراً لما أراده المشرع منها.
ورغم أن هذا السبب يختلف بشكل واضح عن سابقيه من الناحية النظرية، إلا أن الخطأ في تأويل القانون يغلب أن يؤدي – من الناحية العملية – إلى مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، من خلال عدم تطبيق القاعدة على وجهها الصحيح، ولذلك فإن كثرة اقتران هذه العيوب تجعل من التفرقة بينهما من الناحية العملية قليلة الأهمية، ونادرة الاستعمال، وهو ما دفعنا لإدراجها جميعاً تحت ذات العنوان.
ويلاحظ أن الخطأ القانوني – أياً كانت صورته – في أسباب الحكم لا يعيبه إلا إذا كان له أثر في النتيجة التي انتهى إليها، فإن كانت النتيجة التي انتهى إليها الحكم صحيحة، فإن المحكمة لا تميز الحكم بسبب مخالفة القانون أو الخطأ في تطبيقه أو تأويله، ولكن تكتفي بتصحيح أسباب الحكم.
ومن أمثلة مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه: رفض طلب الفوائد عند التأخر في سداد الدين، التجاري استناداً لعدم ثبوت الضرر، في حين أن القانون اعتبر التأخر في سداد الدين التجاري موجب للضرر بمجرد وقوعه دون حاجة لإثبات هذا الضرر.
ومنها: رفض دعوى مسئولية حارس الأشياء على سند من انتفاء خطئه، في حين أن القانون اعتبر خطأ الحارس ثابتاً بمجرد ثبوت حراسته للشيء الذي أوقع الضرر، ولم يجز له التخلص من المسئولية إلا بنفي علاقة السببية (إثبات السبب الأجنبي). ومنها: إلزام الوارث بديون مورثه في أمواله الخاصة، في حين أن القانون يجعله غير مسئول عنها إلا في حدود ما آل إليه من تركة. ومنها: إلزام المتعاقد بالعربون بسداد تعويض إضافي عن رجوعه في العقد، استناداً إلى أن الضرر يفوق قيمة العربون بكثير، في حين أن القانون اعتبر العربون مقابلاً لخيار العدول، وليس شرطاً جزائياً أو تعويضاً عن خطأ، ومن ثم فإنه لا علاقة له بقيمة الضرر.
السبب الرابع: تناقض الأحكام النهائية:
وتعد هذه الحالة هي الحالة الوحيدة التي يمكن من خلالها الطعن على الأحكام النهائية التي لا تقبل – كقاعدة – الطعن بالتمييز، وهي الأحكام النهائية الصادرة من غير محكمة الاستئناف العليا: كأحكام الاستئناف في الدعاوى الجزئية، وفي الدعاوى المستعجلة، وكذلك الأحكام الصادرة بصفة انتهائية من محاكم الدرجة الأولى، وهي الأحكام المتعلقة بدعاوى لا تجاوز قيمتها 5000 د.ك بالنسبة للمحكمة الكلية، و1000 د.ك بالنسبة للمحكمة الجزئية.
ثانياً: ما لا تجوز إثارته أمام محكمة التمييز
- السبب القائم على جدل موضوعي:
لمحكمة الموضوع، كما هو معلوم، سلطة في ميدان الواقع، لا تمتد إليها رقابة محكمة التمييز بوصفها محكمة قانون، وهذه السلطة تتعلق بتقدير الواقع واستخلاصه. فلا تراقب محكمة التمييز هذا الاستخلاص والتقدير من حيث مضمونه وما ينتهي إليه، ولكنها تراقبه فقط من حيث طريقته، فتشترط أن يكون مبنياً على أدلة تبرره في أوراق الدعوى، وأسباب سائغة من الناحية المنطقية.
إذن، لا تتدخل محكمة التمييز في ميدان الواقع إلا إذا شاب طريقة استخلاص المحكمة لهذا الواقع أحد العيوب التي تؤدي لبطلان الحكم من الناحية الموضوعية، والتي سبق ذكرها: كالقصور في التسبيب أو الفساد في الاستدلال أو التناقض أو مخالفة الثابت بالأوراق.
عدا ذلك، فإن المنازعة في النتيجة التي ينتهي إليها تقدير قاضي الموضوع – طالما لم يقع في أي من العيوب سالفة الذكر – تعد وفقا لعبارات محكمة التمييز “جدلاً موضوعياً فيما لمحكمة الموضوع من سلطة فهم الواقع وتقدير الأدلة، تنحسر عنه رقابة محكمة التمييز، ولا تجوز إثارته أمامها”.
ومن صور الجدل الموضوعي: المنازعة في تقدير المحكمة للتعويض، وفي ترجيح المحكمة لشهادة شاهد على آخر، وفي تقديرها ليسار المقضي عليه بالنفقة، وفي استخلاصها لقيام علاقة العمل أو نفيها، وفي استخلاصها لقيام مرض الموت أثناء التصرف.
- أوجه الدفاع الجديدة التي لم تطرح على محكمة الموضوع، ما لم تكن متعلقة بالنظام العام:
لا يقبل – كقاعدة – أمام محكمة التمييز إبداء وجه جديد من أوجه الدفاع لم يكن مطروحاً على محكمة الموضوع، ويستثنى من ذلك فقط الأسباب المتعلقة بالنظام العام، ويشترط في هذه الحالة شرطان:
- أنه كان معروضاً على محكمة الموضوع العناصر التي تمكنها من الإلمام بهذا الدفاع المتعلق بالنظام العام ولو لم يتمسك به أحد الخصوم، فمثلاً: إذا طعن على عقد بالبطلان المطلق لأول مرة أمام محكمة التمييز، فإن ذلك جائز، شريطة أن يكون هذا العقد معروضاً على محكمة الموضوع وأن يكون البطلان المدعى به بادياً في العقد ذاته (كبطلان محله) بحيث كان يجب على محكمة الموضوع أن تنتبه إليه وتتعرض له من تلقاء نفسها.
أما البطلان المستند إلى وقائع خارجية عن هذا العقد (كعدم مشروعية السبب)، فلا يقبل ولو كان متعلقاً بالنظام العام، ما لم تكن تلك الوقائع التي تدل على عدم المشروعية مثارة ومثبتة في أوراق الدعوى المعروضة على محكمة الموضوع.
وكمثال آخر، يجوز التمسك بعدم جواز نظر القاضي للدعوى لسابقة الفصل في موضوعها، وذلك لأول مرة أمام محكمة التمييز، شريطة أن يكون الحكم المحاج به مطروحاً أمام محكمة الموضوع.
- أن يكون السبب المتعلق بالنظام العام وارداً في حدود نطاق الطعن: فمثلاً، إذا كانت هنالك عدة التزامات بين الخصوم، وقضت المحكمة في كل منها بقضاء معين، فطعن بالتمييز على الشق المتعلق بأحدها فقط، فلا يجوز بعد ذلك إثارة الطعون المتعلقة بالنظام العام الخاصة ببقية الالتزامات، رغم كونها كانت تحت نظر محكمة الموضوع، ورغم تعلق الدفاع بالنظام العام، وذلك لأن هذه الالتزامات الأخرى باتت برمتها خارج نطاق الطعن، واستقر القضاء بشأنها بفوات مواعيد الطعن عليه، وحاز حجية تسمو على اعتبارات النظام العام.
- السبب غير المنتج:
لا تتوافر المصلحة في الطعن إذا بني على سبب غير منتج، والسبب غير المنتج هو ذلك الذي لو صح فإنه لن يعود على الطاعن من وراء ذلك سوى مصلحة نظرية بحتة.
ومن أمثلة النعي غير المنتج: قيام المدعى عليه بالطعن على حكم رفض الدعوى، لتقادم الدين الذي كان يستلزم القضاء بعدم جواز سماع الدعوى، فالأثر العملي بالنسبة للطاعن واحد ومن ثم يكون النعي غير منتج، ومن صوره النعي من المتدخل الانضمامي للمدعى عليه على الحكم الصادر بعدم قبول تدخله، في حين أن الحكم أيضاً قضى برفض الدعوى ضد المدعى عليه، فالمتدخل إلى جانب المدعى عليه قد تحققت غايته وهي رفض الدعوى ومن ثم يكون نعيه غير منتج.
ومن أهم صور السبب غير المنتج: ذلك السبب الموجه إلى واحدة فقط من دعامتين قام عليهما الحكم، في حين أن أيا من الدعامتين يكفي وحده لحمل الحكم.
ومن أمثلة ذلك: أن تقضي المحكمة ببطلان العقد لعدم مشروعية محله ولعدم مراعاة الشكل الذي تطلبه القانون، فيستند الطاعن إلى أنه تمت مراعاة الشكل، دون أن يطعن في شأن عدم مشروعية المحل، فهذا النعي غير منتج أياً كان وجه الرأي فيه، لأن عدم مشروعية المحل كافية لوحدها للحكم ببطلان العقد، وذلك حتى على فرض صحة دفاع الطاعن بأن الشكل تمت مراعاته.
ومن أمثلة ذلك أيضاً: أن تقضي المحكمة بإلغاء قرار إداري لعدم الاختصاص ولعدم تسبيب القرار، فتنعى جهة الإدارة على الحكم في شأن عدم التسبيب فقط، فمآل هذا النعي عدم القبول لكونه غير منتج، باعتبار أن عدم الاختصاص كافٍ بذاته لإلغاء القرار اياً كان وجه الرأي في شأن صحة التسبيب.
وتطبيقاً لذلك، استقر قضاء محكمة التمييز على أن خطأ الحكم في تبريراته القانونية لا يؤدي إلى تمييزه إذا كان قد انتهى إلى نتيجة صحيحة، وذلك لانتفاء المصلحة من الطعن، وتكتفي المحكمة في هذه الحالة بتصحيح الأسباب القانونية.
- السبب الذي لا يصادف محلاً من قضاء الحكم المطعون عليه:
ومثال ذلك: أن تقضي المحكمة بانتهاء عقد الإيجار لعدم تجديده، فيستند الطاعن إلى عدم توافر شروط الفسخ، في حين أن المحكمة لم تفسخ العقد بل قضت بانتهائه، فالطاعن في الحقيقة يثير دفاعاً لا علاقة له بالأسباب التي تبنتها المحكمة.
ومثاله: أن تقضي المحكمة بحق المدعى عليه في حبس المال لحين استيفاء الالتزام المقابل، فيستند الطاعن إلى عدم توافر شروط المقاصة، أو أن تقضي المحكمة برفض دعوى التعويض لانتفاء علاقة السببية، فيستند الطاعن إلى ثبوت خطأ المدعى عليه.
ومن صور النعي الذي لا يصادف محلاً من الحكم المطعون عليه، ذلك النعي الموجه في حقيقته للحكم الابتدائي: وأكثر صوره شيوعاً،أن تقضي محكمة أول درجة في الموضوع، ثم تقضي محكمة الاستئناف بإلغاء الحكم المستأنف وبعدم جواز نظر الدعوى أو بعدم قبولها دون أن تتعرض لموضوعها، ومن ثم فإن الطعن يجب أن يقتصر على ما قضى به الحكم المطعون فيه من عدم القبول أو عدم الجواز، أما النعي المتعلق بالموضوع، فهو في حقيقته موجه إلى حكم أول درجة – لأن محكمة الاستئناف لم تتعرض للموضوع – ومن ثم يكون غير مقبول أمام محكمة التمييز.
ومن صوره أيضاً: أن يقتصر الاستئناف على شق معين فقط من قضاء محكمة أول درجة، وتفوت مواعيد استئناف الشق الآخر فيصير باتاً، ثم يعاود أحد الخصوم أمام محكمة التمييز الطعن بشأن هذا الشق الآخر الذي لم يُستأنف، فهذا الطعن غير مقبول، لأنه لا يصادف محلاً من الحكم المطعون عليه، الذي لم يتعرض لهذا الشق، فضلاً عن عدم جوازه لأن فيه تعرضاً لحجية الأمر المقضي.
- السبب المجهل: وهو السبب الوارد في عبارات غامضة، لا يتبين منها طبيعة العيب الذي يعزوه الطاعن إلى الحكم، وموضعه منه، وأثره في قضائه.
ومن أمثلة الأسباب المجهلة: أن ينعى الطاعن على الحكم بمخالفة الثابت بالأوراق دون أن يبين المستندات التي خالفها الحكم، أو اكتفاء الطاعن في معرض سرده لسبب الطعن بالإحالة إلى دفاعه المقدم أمام محاكم الموضوع دون أن يبين وجه الخطأ في الحكم المطعون عليه، أو أن ينعى الطاعن على الحكم قصوره في التسبيب لعدم رده على ما أبداه من دفوع جوهرية، دون أن يبين هذه الدفوع التي أبداها وأغفلها الحكم، وأثرها المنتج في النزاع.
- السبب القانوني القائم على عنصر واقعي أو يخالطه واقع لم تسبق إثارته أمام محكمة الموضوع، ولو كان متعلقاً بالنظام العام:
ومن أمثلة الدفاع الذي يخالطه واقع: الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة، أو لرفعها من غير ذي صفة، والدفع بانتفاء علاقة السببية، والدفع بعدم الإلزام بقيمة الشرط الجزائي لانتفاء الضرر، والتمسك بنوع من أنواع التقادم لم يسبق التمسك به أمام محكمة الموضوع ولو سبق التمسك بنوع آخر، لأن لكل نوع شروطاً ينبغي تحقيقها واقعياً.
ومنها أيضاً: التمسك بكون المحل التجاري هو من الحرف البسيطة التي يجوز لغير الكويتي ممارستها، لأن هذا الدفاع يقوم على عنصر واقعي لم يطرح على محكمة الموضوع. ومنها: التمسك بسابقة الفصل في موضوع الدعوى لأول مرة أمام محكمة التمييز، لأن ذلك يستلزم تحقيق عنصر واقعي وهو وحدة الموضوع بين الدعويين. ومنها: التمسك بالتقايل، لأنه يستلزم تحقيق عنصر واقعي هو بحث إرادة المتعاقدين. ومنها: التمسك بأن الطاعن يحمل جنسية معينة مما يستلزم تطبيق قانون أحوال شخصية مخالف للذي طبقه الحكم، لأنه دفاع يقوم على عنصر واقعي هو تحقيق جنسية الطاعن.
كما قضي بأن التمسك بالعرف لأول مرة أمام محكمة التمييز غير جائز، لأن العرف وإن كان مصدراً من مصادر القانون، إلا أن التحقق من قيامه هو من مسائل الواقع.
ويلاحظ مع ذلك: أن طرح تكييف جديد لأول مرة أمام محكمة التمييز لا يعد دفاعاً جديداً غير مقبول، لأن التكييف لا يثير بذاته وقائع جديدة، فهو مسألة قانون، وينبغي على القاضي من تلقاء نفسه أن ينزل حكم القانون الصحيح على الدعوى.
- السبب العاري عن دليله: كالنعي على الحكم بمخالفته حكماً سابقاً دون تقديم الحكم المحاج به، أو النعي عليه بوجود صلة قرابة بين رئيس الدائرة وأحد الخصوم، دون تقديم دليل على هذه الصلة.
- السبب الموجه ممن لا صفة له فيه: فلا يجوز للطاعن أن ينسب إلى الحكم القصور في التسبيب لعدم رده على دفاع أثاره غيره من الخصوم في الدعوى، أو أن يتمسك لأول مرة بدفاع تمسك به غيره أمام محكمة الموضوع، وذلك في غير حالات التضامن وعدم التجزئة وتعلق الدفع بالنظام العام.
- النعي على الحكم بإغفاله الفصل في طلب معين: لا يصلح ذلك سبباً للطعن، وللخصم الذي أغفل طلبه أن يرجع إلى ذات المحكمة لتدارك ما فاتها الفصل فيه.
- النعي على الحكم بالغموض أو بالخطأ المادي: إذ سبيل ذلك طلبات التفسير وتصحيح الخطأ المادي المقررة في قانون المرافعات، وليس الطعن على الحكم.
- النعي على الحكم بقضائه بأكثر مما طلبه الخصوم أو بشيء لم يطلبوه: لأن السبيل المقرر قانوناً لإصلاح ذلك كله هو التماس إعادة النظر، وليس الطعن بالتمييز.
- الأسباب غير الواردة في صحيفة الطعن، لا يجوز إبداؤها بعد ذلك، ما لم تتعلق بالنظام العام، وكانت تحت نظر محكمة الموضوع العناصر اللازمة للإلمام بها.
- المستندات التي لم تقدم أمام محكمة الموضوع: لا يجوز تقديم مستند أمام محكمة التمييز لأول مرة، وسبب ذلك أنه لم يعرض على محكمة الموضوع لتقول كلمتها فيه. كما لا يجوز الاعتراض على الترجمة الرسمية للمستند لا يجوز لأول مرة أمام محكمة التمييز.
ثالثاً: ارتباك التطبيق: أخطاء شائعة عند كتابة صحف الطعن:
على الرغم من الوضوح النظري الكبير، تشريعاً وقضاءً وفقهاً، لماهية كل سبب من أسباب الطعن بالتمييز، إلا أنه التعامل معها من الناحية العملية لا يزال يشوبه ارتباك وخلط كبير، إلى درجة باتت تعتبر معها مهارة “صياغة صحيفة الطعن بالتمييز” من أرفع المهارات وأندرها في سوق العمل اليوم.
وفيما يلي بيان لأهم الأخطاء الشائعة:
- إعادة طرح مسائل الواقع والمجادلة فيها أمام محكمة التمييز:
أو بعبارات محكمة التمييز: “المجادلة في سلطة محكمة الموضوع”، لا من حيث طريقة تقديرها للواقع، ولكن من حيث النتيجة التي انتهت إليها، وهو أمر خارج كلياً عن اختصاص محكمة التمييز، الأمر الذي يؤدي إلى عدم قبول الطعن، وهذا من العيوب الشائعة إلى درجة أن كثيراً من صحف الطعن بالتمييز لا يعدو أن يكون تكراراً لصحف الاستئناف مع تغيير عنوان الصحيفة، على الرغم من البون الشاسع بين كل من محكمتي الاستئناف والتمييز من حيث دور كل منهما، والأسباب المقبولة أمامهما. وهو ما يعكس ضعف كاتب الصحيفة في إدراك غاية الطعن بالتمييز وطبيعته.
- الخلط بين أسباب الطعن المختلفة، ودمجها جميعاً تحت ذات العنوان:
لا شك أن القارئ قد مر كثيراً بهذا العنوان: “مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه ومخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب” في صحف الطعن التي يتعامل معها.
وغني عن البيان ما في هذه الصياغة من عيب، فهذه الأسباب تختلف اختلافاً جذرياً عن بعضها البعض، وخلطها في ذات العنوان من شأنه أن يصعب على المحكمة – سيما إذا كان المتن بدوره مختلطاً – مهمة فهم وجه النعي على الحكم، وهو ما يؤدي بدوره إلى تجهيل النعي، ومن ثم عدم قبوله.
وعلى سبيل المثال: من المعلوم أن الإخلال بحق الدفاع ومخالفة الثابت بالأوراق والقصور في التسبيب هي من صور بطلان الحكم ومحلها أسباب الحكم الواقعية، وبطلان الحكم سبب مستقل تماماً عن سبب مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه والذي يجد محله في أسباب الحكم القانونية، فينبغي دوماً الفصل بين هذه الأسباب، وهو ما يساهم في وضوح النعي وثرائه في ذات الوقت.
- تكرار ذات السبب أكثر من مرة:
ومن أمثلة ذلك أن تأتي أسباب الصحيفة على النحو التالي:
السبب الأول: مخالفة الحكم للقانون والخطأ في تطبيقه حين قضى برفض إلزام المدين بالفوائد.
السبب الثاني: مخالفة الحكم للقانون والخطأ في تطبيقه حين قضي برفض إلزام الكفيل المتضامن بالدين المقضي به.
والحقيقة أن سبب الطعن واحد هنا واحد، وهو مخالفة القانون والخطأ في تطبيقه، ولكن له عدة أوجه، أي أن الحكم خالف القانون في عدة مواضع، فالأصح هنا هو جمع كل هذه المطاعن تحت ذات السبب الذي تتحد بشأنه، ثم سردها كأوجه لهذا السبب من أسباب الطعن.
- أن يكتب السبب على شكل دفاع في موضوع الدعوى وليس كطعن على الحكم:
وهذا الخطأ أقل شيوعاً من سابقيه، ولكنه موجود مع ذلك بشكل ليس بالنادر، وفيه يقوم كاتب الصحيفة بصياغة أسباب الطعن عنواناً ومضموناً على شكل أوجه دفاع في الدعوى، ومن أمثلة هذا أن تصاغ أسباب الطعن على النحو التالي:
السبب الأول: عدم جواز سماع الدعوى للتقادم
ولا شك أن أوجه الدفاع هي المادة التي يستعين بها الطاعن في صياغة طعنه، ولكن يتعين عليه أن يقدمها لمحكمة التمييز في صورة أسباب للطعن على الحكم، فيبين أين أثار هذه الدفوع، وأين خالفها الحكم، وما هي صورة هذه المخالفة، هل هي مخالفة للثابت بالأوراق حين أغفل مستنداً جوهرياً تقدم به الطاعن؟ أم قصور في التسبيب حين لم يتعرض الحكم بالرد لما أبداه الطاعن من دفاع جوهري منتج ؟ أم خطأ في تطبيق القانون حين التفت الحكم عن القاعدة القانونية التي تمسك بتطبيقها الطاعن؟ وهكذا.
فالصحيح إذن أن يورد المثال سالف الذكر كسبب من أسباب الطعن على الحكم، كأن يقال مثلاً: القصور في التسبيب حين لم يتناول الحكم إيراداً ولا رداً لدفع الطاعن بعدم سماع الدعوى للتقادم.
والله من وراء القصد،
المحامي سعد العصفور
مكتب مشاري العصيمي – محامون ومستشارون قانونيون
[1] . تأكيداً لهذا الدور، تقرر محكمة التمييز بأن “الطعن بالتمييز لا يؤدي إلى طرح نفس القضية التي نـظرت فيها محكمة الموضوع، وإنما إلى طرح قضية أخرى، هي البحث حول مخالفة الحكم للقانون” – الطعنان بالتمييز رقمي ١٦٥ و١٦٦/١٩٩٨، الدائرة العمالية، جلسة ٢٤/٢/٢٠٠٣، وكذلك الطعن رقم ٧١٩/٢٠٠٥، الدائرة التجارية، جلسة ١١/٦/٢٠٠٦، منشوران ضمن مجموعة القواعد التي قررتها محكمة التمييز، القسم الخامس (نوفمبر ٢٠٠٨)، المجلد الخامس، الصفحة ٣٢٧.
[2] . أعني بالخطأ المنهج: ذلك الخطأ الناشئ عن خلل مزمن في منهجية التعاطي مع مسألة معينة (هي في حالتنا: أسباب الطعن بالتمييز)، ومن ثم فإن الخطأ المنهجي، بهذا الوصف، مرشح للظهور والتكرار في كل مرة تعرض فيها هذه المسألة، وهو في ذلك يختلف عن الخطأ العرضي الناشئ عن الاستعجال أو قلة التوفيق.
يمكنك من هنا تحميل دراسة أسباب الطعن بالتمييز – دقة النظرية وارتباك التطبيق